الأربعاء، 20 يوليو 2016

مراجعة فيلم X-Men: Apocalypse

* إذا كنت مهتما بقراءة ما يلي، ولم تشاهد الفيلم بعد، هناك حرق لبعض أحداثه.
apocalypse-social_6
جابر الغول
“كل ما بنوه سيسقُط، ومن رماد عالمهم سنبني واحداً أفضل…”
هذه المقولة لـ”إن صباح نور” أو أبوكاليبس، الشرير -المهدور- في X-Men: Apocalypse تنطبق على الفيلم، فالعالم الذي بناه صنَّاع سلسلة X-Men منذ عام 2000 يبدو أنَّه سيسقط مع هذا الفيلم، وقد لا يكون بإمكانهم بناء واحدٍ أفضل من رماده!
انتظرت الفيلم طويلاً، لا لعشقي للسلسلة التي لم أجد فيها الموضوعات والشخصيات التي أبحث عنها في عالم الأبطال الخارقين- وإن كان آخر فيلمين هما الأفضل بفضل عودة المخرج “بريان سينغر” لبثّ الحياة في سلسلته التي دشَّنها قبل 16 عاماً- إنَّما لدعايات الفيلم المُبهِرة، والتي حملت وعوداً بعملٍ مختلف عن سابقيه، بعملٍ حاضنٍ لثيمات لم يعهدها عالم X-Men من قبل، تبشِّر بمنتجٍ ضخم، ذو صبغة أسطورية، ورموز دينية. لكن ماذا كانت النتيجة؟.. خيبة أمل كبيرة، كبيرة جداً!
تبدأ هذه الخيبة بإهدار طاقم تمثيلٍ مُتمكِّن، في مساحة زمنية محشوَّة بمعارك وصراعات مُصطنعة، وفي إضاعتهم في عالم ساقط في حفرة عميقة من ما يمكن تسميَّته باللغو البصري، قبل أن يحاول “إن صباح نور” إسقاطه. فلا يُعطون حقّهم، ولا تتاح لهم فرصة تقديم أفضل ما عندهم. شخصيات غنيَّة مُعقَّدة، يتم تحويلها إلى شخصيات كرتوينة باهتة، ذات بعدٍ واحد، لا نرى فيها إلاَّ القوى الخارقة، والاستعراضات المتكلّفة لتلك القوى.. أما المشاعر و العواطف.. ما يشتركون فيه مع البشر، فيتم وأده.
xmenapocalypseimax-1.jpg
تكبر الخيبة أكثر حين يُقامِر صُنَّاع الفيلم بميراث X-Men، لا عبر تثوير قصته وإحداث تغيير جذري في ثيماته وشخصياته، بل عبر الامتناع عن تقديم شيء جديد لم نراه في الأعمال السابقة، والاكتفاء بالثيمات القديمة نفسها، عن كره إيريك لانشير Magneto (مايكل فاسبندر) للجنس البشري والرغبة العارمة في إبادته، وما السبب يا ترى.. أن البشر قتلوا زوجته وطفلته! هل مصير ماغنيتو أن تموت عائلته كل مرة، حتى يكره البشر ويسعى إلى إبادتهم.. ألا يستحق البشر ذلك، دون هذا السبب الشخصي جداً؟ ألم يخطر على بال صناع السلسلة فكرة أكثر ذكاءً لكي يصبح ماغنيتو شريراً مرّة أخرى؟ هل كُتبَ عليه أن يواجه نفس المأساة دائماً، كأنَّه تشارلز برونسون في أفلام Death Wish، مرَّة تقتل زوجته وتغتصب ابنته، ومرَّة تغتصب ابنته وتقتل… هل نفذت الأفكار ؟!
تصل الخيبة إلى الذروة، في إهدار الشرير الذي سُمي الفيلم على اسمه Apocalypse (تعني: نهاية العالم، وفي السياق الديني تعني رفع الغطاء عن حدث ما، أو كشف الحجاب)، ممثل عظيم، يكاد يكون الأفضل في جيله، مثل أوسكار آيزاك، تضيع مواهبه، تضمحل قدراته الفائقة وسط كثافة الـCGI. صحيح أن خطاباته عظيمة ونبرة صوته ربَّانية، وتعطينا تصوُّراً عن كيف تتكلم الآلهة إن حصل وقابلناها يوماً ما، وحضوره يبعث على الرهبة، لكن هذا أقصى ما يبلغه أبوكاليبس، لقد رُسمت له حدود واضحة لا يمكنه تجاوزها. لقد حُشِرَت شخصية شريرة عظيمة في مساحة ضيّقة جداً مُثقلة بالحركة المفرطة والتكرار المُمّل للمؤثرات البصرية والـCGI التي ربما يحبها عشاق السلسلة القدامى، وبالتمحور حول شخصيات تعتدي على مساحة غيرها بالفيلم، إذ سبق وشاهدنا جزءاً كاملاً مُتمحوراً حولها، عن Mystique (رافين) أتحدَّث.. وبالمناسبة جينيفر لورانس في نهاية الفيلم، بدت متكلَّفة جداً، وهي تعيش دور الأنثى القيادية، كأنَّها ظنَّت نفسها تلعب دور “كايتنس” في سلسلة The Hunger Games!
كان بالإمكان أن يكون أبوكاليبس مختلفاً عن كل الأشرار في السلسة، وهناك مُقوّمات تجعله كذلك، فهو بالإضافة إلى كونه أول متحول في التاريخ، إلهٌ موجودٌ منذ فجر التاريخ، يعبده المصريون منذ 5000 عام، وعبر الزمن، كان يحكم شعوباً أخرى، بأسماء مختلفة، مرة يهوه (إله اليهود) ومرة رع (إله الشمس عند المصريين القدماء) ومرة كريشنا (الإله الهندوسي)** إنه الإله نفسه بغض النظر عن تسمياته، الإله الذي بنى الأهرامات، الذي يتنقل وعيه من جسد إلى آخر، الإله الموجود في كل مكان، الإله الذي هو كل شيء.. الإله الذي كان مختفياً، الإله الذي ظن الإنسان أنَّه مات، أنَّه قتله.. كان في سُبات طويل بعد أن خانه عباده، لكنَّه استيقظ، عاد لينتقم من بني البشر، ليذيقهم سوء العذاب لخيانتهم له وإنكارهم وجوده.. عاد لينهي العالم، ويبني واحداً جديداً لا تعيش فيه إلاَّ النخبة المصطفاة، أبناءه وشعبه المختار من المتحوّلين.
X-Men-Apocalypse-Oscar-Isaac.jpg
لقد كانت فكرة عظيمة، ومثيرة وجريئة، أن يكون الشرير، عدو البشر والمتحوّلين الَّذين يريدون سلاماً معهم.. إلهاً، أو ربما هو الإله نفسه -كما يقر هو بذلك- أو الشيطان، أو هو الإله والشيطان لأنهما شخص واحد! لكنَّ صنَّاع الفيلم، أبوا إلاَّ أن يفسدوها للأسباب التي ذكرت أعلاه، ويضيعوا -ربما للأبد- شريراً كاد أن يكون الأعظم في تاريخ أفلام الأبطال الخارقين! وفوتوا فرصة للتجديد في السلسلة، عبر بث مضامين جديدة بها، ذات بعدٍ متعالٍ/ ماروائي تمنع عودة الرتابة التي بليت بها منذ الجزء الثاني والثالث، والتي حطّمها بريان سينغر في (X-Men: First Class) و(X-Men: Days of Future Past)، وعادت مع هذا الجزء ويبدو انها ستلازم السلسلة لأجلٍ غير مسمَّى!
المشكلة الأبرز في الفيلم، هي في تضليله، وخداعه، بوعوده الضخمة، بدءاً بعنوانه، وانتهاءاً بالدعايات المنمَّقة، التي نجحت في استقطاب أشخاص لم يكونوا معجبين جداً بالسلسلة لدور العرض، لمشاهدة الفيلم الذي يبدو نسخة محسَّنة قليلاً عن أسوأ أفلام X-Men على الإطلاق The Last Stand. عبر التركيز في الإعلانات على أبعادٍ دينية للفيلم اتضَّح أنها وهمية. يبدو أن هذه الخدعة مقصودة، تكتيك مدروس، دسُّ هذه الموضوعات التي يتم الحديث عنها باستحياء في الفيلم، لتبدو وكأنَّها رئيسية، ولأنَّ أي حديثٍ عن الدين ومُتعلقاته، يجذب الكثيرين!
في الفيلم نفسه، ليسَ ثمة علاقة بين ذكر فرسان نهاية العالم الأربعة في سفر الرؤيا للقدّيس يوحنّا (أحد رسل المسيح الاثنا عشر) في العهد الجديد، وبين من يفترض أنَّهم فرسان Apocalypse الأربعة الذين كانوا يتبعونه منذ فجر التاريخ ويختلفون باختلاف الزمان، وهم في هذا الفيلم “ماغنيتو، ستورم، آنجيل، سايلوك.. ولا أحد منهم يرمز لشيء محدد، كما يرمز الفرسان أو الخيالة الأربعة وخيولهم في رؤيا يوحنَّا لأحداثٍ وأهوالٍ مختلفة ستقع في نهاية العالم (سفر الرؤيا: الإصحاح السادس 1-8). ربَّما ماغنيتو فقط يرمز للحرب؟!.. أما الآخرون فلا دور لهم إلاَّ الاستعراض. لا علاقة بين الجانبين إلاَّ في العدد، هي خدعة لا أكثر، إيهام الناس بأنَّ الفيلم يحمل مضامين معينة، عبر وضع عناوين ضخمة، جاذبة على السطح، وعند البحث عنها، لا يجدون شيئاً.
Apocalypse_vasnetsov.jpg
xmenhorsemen.jpg
ربما من العدل، ذكر بعض محاسن الفيلم القليلة، مفاجآة هذا الجزء، صوفي تيرنر، وأداؤها المتقن، والمتمكّن، لشخصية جين غراي “عنقاء الظلام” في شبابها، ربَّما هي أفضل شخصيات الفيلم، وأرجو أن يتم التركيز عليها بدلاً من التركيز الممل على “رافين” ميستيك. كذلك Quicksilver (الذي يؤدي دوره إيفان بيترز، وسبق أن شاهدناه في Days of Future Past) ومشهد ظهوره الساحر والأخَّاذ . وربما حينَ أعاد تشارلز إكزافير (جيمس مكافوي) لمويرا (روز بيرن) ذاكرتها، وولفرين وهو يقتل الأوغاد ويرسم بمخالبه لوحاتٍ من دمائهم على الجدران.
لم ينتقم الإله “إن صباح نور” من البشر، ولم يُطهِّر العالم من خيانتهم، وصعفهم.. ويبني واحداً جديداً يحكمه وتعيش فيه نخبته. وأبرز فرسانه الأربعة انقلبوا عليه، وتم التخلص منه سريعاً، وبطريقة غير مبهرة أبداً. ولم تقم القيامة ولم يحدث أي حدثٍ مشابه لأحداث رؤيا يوحنا. لم ينتهي العالم، لكن بالنسبة لي، ومع نهاية هذا الجزء الضعيف، المخيّب للآمال، عالم X-Men قد انتهى.
ـــــــــــــــــــــــ
**(في دار العرض السيئة جداً، جداً في عمَّان التي شاهدت فيها الفيلم، حذفت الجملة التي تحدث فيها “إن صباح نور” عن تسميّته بيهوه ورع وكريشنا، وكذلك حذفت الجملة التي ذكرت فيها “مويرا ماك تاغرت” أنَّ الكتاب المقدَّس ربما أخذ فرسان رؤيا يوحنا الأربعة من “إن صباح النور”! شكراً للرقابة العظيمة الحريصة على الحفاظ على ديننا وأخلاقنا وتقاليد مجتمعنا المحافظ…الخ، وعلى إفساد نشوة مشاهدة فيلم على الشاشة الكبيرة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق